• بقلم حسام صادق
  • بقلم محمود حجازي
  • بقلم أحمد عبود
  • بقلم أحمد نبيل

الأربعاء، 2 نوفمبر 2011

كلنا هذا الجردل


كلنا هذا الجردل


لا داعي للإنكار ..ولا لنظرة التعالي هذه.. فبالفعل كلنا هذا الجردل ..
يولد الجردل ..أقصد يولد الواحد منا سواء على يد طبيب متخصص أو ممرضة أو حتى داية .. وبدون أي اعتبار لكرامته يضرب على أحد الأماكن الحميمة ..التي لم يكن يسمح لأي كان بالاقتراب منها أو التصوير في أي وقت آخر .. ولكنك تكون مجرد طفل لا حول له ولا قوة .. تحيط بك مجموعة من الأوغاد الذين يصرون على إخراجك من رحم أمك .. هذا المكان الذي لن تجد مثله ماحييت ..ويرمون بك في الدنيا الفانية كسندوتش الفول في يدك ..الغادرة كتوك توك في ميدان التحرير ..
كجردل رضيع تلقى الإهتمام والرعاية من الآخرين .. وتكون هذه جنة أيام حياتك .. الكل يعمل من أجل رفاهيتك ..لا داعي للتحدث فبمجرد إنطلاق سارينة بكائك تجد كل ماتريد وتشتهي ..وبمجرد أن تغمض عينيك ..لا يتحدث أحد بصوت أعلى من الهمس .. فمن هذا الذي يجرؤ على مقاطعة نومك المقدس ..
ولأن دوام الحال من المحال .. فوضعك هذا لن يدوم ..إذ سرعان ماتجد نفسك أصبحت في هذه السن التي تلهث فيها وراء قنوات الكارتون .. وتسعى جاهداً من أجل الحصول على كل لعبة تقع عليها عيناك .. ولكنك تسمع من الكبار كلمات على غرار "عيب " ،"عشان الماتش " ،"عشان الأخبار " ،"عشان المسلسل".. إلى آخر حجج الكبار غير المقنعة هذه .. والتي لا يجدي معها بكاؤك و توسلاتك ..
ثم في أحد الأيام الخريفية الكئيبة يوقظك أبواك قبل السادسة صباحاً لأنك أصبحت في سن دخول المدرسة .. وأنك ستذهب إلى سجن يتم فيه تكديس الأطفال وإبعادهم عن ماما وبابا .. لمدة ثماني ساعات يومياً .. يشرف فيها عليهم مجموعة من الأشرار الذين يضعون الاطفال في "غرفة الفئران " لأقل خطأ يفعلونه .. ستبكي .. ستتمسك بحضن ماما .. ستحاول إقناعهم بأن لا فائدة من التعليم .. ولكن هيهات فأنت لست إلا جردل صغير لا يعرف مصلحته ..ومن ثم يتم "دلقك " في المدرسة .. لتغرق دموعك كل ما فيها..
ثم تكتشف فجأة أن هناك ما يسمى بالبنات .. والبنت كائن يشبهك ولكن شعره أطول من شعرك .. ثم تكبر قليلاً  لتكتشف أن مريم هي أجمل ما وقعت عليه عيناك ..
وتظل تحاول أن تختلس إليها نظرة من حين إلى آخر من وراء ظهر "الميس"..
و كالجردل تنسكب منك أعراض الهيام كلما رأيتها .. وتحاول جاهداً ألا يلاحظ أحد ما ينسكب منك ..ولكنك مفضوح والكل يعلم أنك جردل لا يمكنه الإحتفاظ بما فيه ..
ثم تكبر أكثر فتدخل المدرسة الإعدادية .. لتصطدم بواقع جديد .. أنه لا يوجد بنات.. لا يوجد مريم .. ولا حتى فتكات .. وحينها تبدأ كفاحك لإثبات نفسك وسط مجتمع ذكوري صرف .. ولتكتشف أن المدرسة الإبتدائية كانت جنة و أن المعلمين فيها كانوا ملائكة .. وأن صراعك مع الحياة على وشك ان يبدأ ..
بالطبع ستصطدم بهذا الطفل الممتلئ ..المنتفخ .. المتشعب ..الذي لا يمكنك تجميع تفاصيله من نظرة واحدة ولا حتى عشرات النظرات .. ستتعارك .. وتتعارك .. وتتمزق ملابسك مرة ..و حقيبتك مرة .. وتعود للبيت تارة مهزوماً وتارة منتصراً ..وفي الحالتين لن تنجو من العقاب ..تقول إنك كنت على حق ؟؟.. لن يصدقك أحد ..فلا مفر من العقاب .. إنها تلك المرحلة التي يعتبرك الكبار فيها وغداً مذنباً يستحق أقسى عقوبة .. فانت مجرد جردل لا راح ولا جاء ..
وإمعاناً في معاملتك كجردل ..يبدأ الكبار في صب خراطيم خبراتهم فيك ..وفتح حنفيات مبادئهم على رأسك .. لأنهم يرون أنه لا يوجد أفضل منهم قدوة لتقتدي به.. ولا أحسن منهم علماً لتتعلم منه .. لذا وجب عليك إتباع نهجهم والسير على دروبهم ولو كرهت .. فأنت لا حيلة لك .. وقدرك هو أن تكون مجرد نسخة مصغرة منهم..
الآن أنت في المرحلة الثانوية.. دعك من السنة الأولى .. فلا جديد فيها سوى بعض الشعيرات السخيفة النامية أعلى فمك..الآن أنت في الثانوية العامة .. ما الفرق بين الطبيب والمهندس ؟؟..الطبيب يسرق الأعضاء البشرية ويبيعها في السوق السوداء ..المهندس يسرق مواد البناء ويبيعها في السوق السوداء ..إذاً فلأكن تاجراً في السوق السوداء .. يبدو أن ربحها كبير ..أو فلأكن محامياً يدافع عن تجار السوق السوداء فبالتأكيد هذا أكثر ربحاً .. ولكن ماهي السوق السوداء ؟؟..إنها السوق التي تكون فيها البضاعة سوداء .. ماهذا التخريف ؟؟
الشعبة العلمية أم الشعبة الادبية ؟؟..هل اتخذت القرار ؟؟.. لايهم .. فالقرار ليس قرارك أصلاً .. إنه قرار الكبار الذين يريدون أن يروا أنفسهم فيك ..أو يحققوا أحلامهم عن طريقك ..
أبوك طبيب فلتصبح أنت طبيباً ..أبوك مهندس فلتصبح أنت مهندساً ..
أبوك محام أراد أن يكون ضابطاً .. فلتصبح أنت ضابطاً .. وهكذا ........
وتستمر سياسة التعامل مع الجردل في جميع مراحل التعليم .. تسكب المعلومات في الجردل طوال العام الدراسي ..ليقوم هو بسكبها في ورقة الإمتحان في نهاية العام .. حتى في مراحل التعليم الجامعي ..لا يختلف الأمر كثيراً.. هي نفسها سياسة التعامل مع الجردل ..
ولكن .. لحظة من فضلك ..هناك شئ غريب هنا .. هل لاحظت هذا ؟؟ .. هل اعتدت كل هذا الكم من الملابس الخارجية في أي مؤسسة تعليمية؟؟ .. هل قابلت هذا الفتى المتظرف الذي يريد إضحاك الناس على كل حرف يقوله .. وخاصة البنات ؟؟..هل قابلت هذا الفتى الذي لا يفهم المزاح .. ويجب عليك أن تشرح له كل نكتة تقولها كي يضحك ؟؟.. هل قابلت هذا الدحيح الذي لا يغادر المدرج أبداً ..حتى خيل إليك أنه يبيت فيه ؟؟..هل قابلت هذه الفتاة المتسهوكة التي تضحك لأي كلمة تقال ؟؟.. هل قابلت هذه الفتاة المتعالية التي تدعي الوقار .. عن طريق رسم تعبير اشمئزاز على وجهها ؟؟.. وقعتك سوداء لو حاولت المزاح في وجودها .. 
هل قابلت هذه الفتاة التي تتصنع الرقة .. عن طريق رفع إحدى قدميها إذا مرت بجوارها قطة ؟؟ .. هل قابلت هذا الجرد.. ؟؟..عفواً إنه أنت ..
إذا كنت قابلت كل هؤلاء فاعلم أنك في الحرم الجامعي .. المجتمع مصغراً .. به كل أنواع البشر ..وربما الحيوانات أيضاً .. الأسد والثعلب والحمار .. والأهم من كل هذا ..الجردل ..
والآن ..هل تشعر أن التاريخ يعيد نفسه ..في الماضي أحببت مريم ولكن ظروف الحياة - المتمثلة في الانتقال للمرحلة الإعدادية - فرقتكما .. الآن أنت تحب فتاة أخرى وهي سامية .. ويتكرر التاريخ بحذافيره (حذفور حذفور ) .. لتجد نفسك مدلوقاً كالجردل لمرآها .. مفضوحاً كبطيخة وسط 5 كيلو التفاح ..
إلى هنا ينتهي الجزء الاول ..
بالطبع أدرك العباقرة أن هذا المقال له أكثر من جزء..
فإذا أردت أن تعرف مصير جردلنا العزيز ..أو أردت معرفة خطوات زواج الجرادل
أو إدراك العلاقة بين الجرادل الصغيرة الغسالات ..
ومراحل نمو الجرادل .. فانتظر الجزء الثاني.
.