• بقلم حسام صادق
  • بقلم محمود حجازي
  • بقلم أحمد عبود
  • بقلم أحمد نبيل

الجمعة، 4 نوفمبر 2011

كلنا هذا الجردل .. الجزء الثاني


كلنا هذا الجردل
الجزء الثاني
وإذا كان الحب صامتاً في المرحلة الابتدائية .. فليكن متكلماً في الجامعية .. ولتعترف لها بحبك لتعيشا في عالم الأحلام فترة لا بأس بها .. ولتنهلا من ينابيع الحب التي لا تجف .. ولتحترق قلوبكما ببوتاجاز الشوق .. إلى آخر أعراض إسهال الحب المعروفة .. والآن بعد أن بنيتما عشاً في خيالكما ..يجمعكما معاً إلى الأبد .. تفاجأ أنت بأن هذا العش ينهار فوق رأسك وحدك .. عندما تتم خطبتها لأول عريس جاهز .. ولتتبخر فجأة الوعود بالانتظار إلى الأبد .. وبناء البيت طوبة طوبة .. والبداية سوياً من الصفر إن وجد .. وإن لم يوجد فمن تحته .. ولتفرقكما ظروف الحياة إلى الأبد كما حدث في الماضي .. ولتبدأ أنت من تحت الصفر وحيداً بعد تخرجك ..ولتدخل إلى معمعة الحياة الحقيقية ..وتحاول إثبات نفسك وسط مجتمع مادي صرف .. لا يهمه أي شيء سوى ما في جيبك ..لا يسألك سوى كم معك ؟؟..لا يعطيك إلا بثمن باهظ ..ولا يأخذ منك إلا بأبخس سعر ..
هل قاتلت وحاربت ؟؟ ..هل تعبت وانهرت ؟؟ ..هل دمعت ونزفت ؟؟ ..هل سعيت وجريت ؟؟..هل بذلت كل ما في وسعك ..وما ليس في وسعك؟؟ .. إذن فقد نجحت و كونت نفسك نسبياً .. ووضعت قدميك على بداية السلم .. لتبدأ مشواراً جديداً .. ولتدخل في شريحة جديدة من النضال .. البحث عن بنت الحلال .. بالطبع أنت لن تبحث بنفسك فهذه مهمة الوالدة ..هل وجدتها ؟؟..حسناً .. فلتكن خطوبة 32عاماً حتى تتمكن من الوفاء بمتطلبات أهلها ..فليس باستطاعتك الآن سوى شراء دبلتين وشبكة بسعر معقول ..
 وتمر ست سنوات هي فترة الخطوبة .. كانت حافلة بإشارات وإرهاصات تخبركما بشكل علاقتكما الزوجية في المستقبل .. ومدى انسجام طبيعتيكما ..ولكن أياً منكما لا يفقهها .. إذن فليستحق كل منكما الآخر ..
وبعد أن أصبحت بالكاد قادراً على دفع ثمن مقدم شقة  .. والباقي يتكفل به الوالد من فرح و بعض الأقساط  .. تم الزواج في ليلة لن تنساها أبداً .. ليلة ستظل نادماً عليها بقية حياتك .. ليلة ينكشف فيها المستور .. وترى بعدها كواليس أفلام الخطوبة .. لتدرك أنك أكبر جردل قابلته في حياتك .. لأنك بعد بضع سنوات تكتشف انك تعيش مع أحد دببة الكوالا .. من حيث الشكل .. وتسريحة الشعر التي تذكرك بأذني دب الكوالا ..الذي يكون بأذنين مرة  .. وبأذن واحدة مرة أخرى .. على حسب مزاج المدام ..
ولكن لا داعي لنظرة التشاؤم هذه ..ولا داعي لتصيد الأخطاء والتركيز على العيوب فقط ..فهناك أيضاً أشياء جيدة في الزواج .. فأجمل ما في الزواج هو الأبناء .. هذه الكائنات الرقيقة الصغيرة .. الضئيلة الضعيفة .. التي يجب حملها برفق ووضعها برفق .. ومشاهدتها وهي تنمو وتلعب وسماع أصواتها .. مدهش كيف ينمو هؤلاء الصغار .. في البداية تحملهم فيبكون .. ثم يضربونك بأيديهم الصغيرة على وجهك ..ثم تجد نفسك غارقاً بسائل ما بعد حملهم .. ولو شاهدت تعبير وجهك عندها لاكتشفت أنها ملامح توحي بالبلاهة السعيدة والجردلة العبيطة ..
إبنك أصبح يحبو الآن ..رائع ..لقد تمكن من قول " إمبووو" ..مدهش ..لقد أصبح في إمكانه المشي الآن .. ياله من عبقري .. إنه الآن يجري ويلعب الكرة ويحطم الفازات والنجف والنوافذ ويضرب أولاد الجيران ويتبول على الناس في الشارع ويضع الراديو في الغسالة ويحطم التليفون ويكسر المراوح .. ويقلد كل الشخصيات الكرتونية .. ونفذ ضربة الإعصار المدمر في طنط فيفي صديقة والدته .. لقد أصبح شيطاناً صغيراً .. يدمر كل ما يقابله .. إذن لا مفر من الخلاص منه ..فليذهب إلى الجحيم .. أو بمعنى آخر الحضانة .. لتكتشف أن وجوده وسط أقرانه من الأطفال جعله أكثر " شيطنة "مما سبق ..
وفي أحد الأيام الخريفية السعيدة على قلبك .. توقظ ابنك قبل السادسة صباحاً ..ليذهب إلى المدرسة .. سيبكي ويتوسل ويخبرك أن التعليم لا فائدة منه .. سيتمسك بحضن أمه ..ولكن هيهات لا مفر من الذهاب إلى المدرسة .. فلا أحد يعرف مصلحته إلا أنت ..
هل لاحظت أنه يسألك عن الفرق بين الولد والبنت ؟؟ .. هل لاحظت أنه يسألك عن معنى كلمة "مروة " ؟؟.. هل لاحظت أنه يبدو كجردل صغير في بعض الأوقات ؟؟.. لا تقلق إنها أعراض النمو الطبيعية ..
سيدخل المدرسة الإعدادية ..وينسى مروة ..وينسى البنات ..ويأتيك يوماً بملابس ممزقة ..ويوماً بحقيبة ممزقة .. ولكن لابد من معاقبته ..قد يكون على حق ..ولكن لا يهم ..المهم هو العقاب .. أوليست التربية هي شراء الألعاب والإطعام والكساء والعقاب ؟؟.. إذن فما الفائدة من معرفة إذا كان على حق أم لا ؟؟.. ما الفائدة من إضاعة الوقت في الاستماع إلى جردل لا يعرف مصلحته ؟؟.. أوليس هذا ما تعلمته من أهلك ؟؟ ..إذن فقد حان وقت التطبيق العملي لهذا العلم ..
ابنك التحق بالثانوية العامة .. لن أخبرك بما يجب أن تفعل .. ولن أملي عليك واجبك نحوه . لقد أصبح طالباً جامعياً الآن ..هل تشعر بالسأم ؟؟..
أعتقد أنك ستشعر بالملل الشديد في الأعوام القادمة .. فكل ما سيحدث أمامك قد شهدته من قبل .. ويظل التاريخ "هذا الممل " يعيد نفسه كثيراً  .. حتى تصاب أجهزتك الحيوية بالضعف .. وتصاب أطرافك بالوهن .. وتغزو جسدك أمراض الشيخوخة .. وتتحول إلى شخص يعيش ليتناول الدواء .. بعد ان كنت تتناول الدواء لتعيش ..!!
وبعد انتهاء عمرك الاستهلاكي والافتراضي ..قد يعطف عليك الموت حينها وتوافيك المنية ..  وعندها قد يتذكرك الآخرون – لبعض الوقت - كشخص عاش نزيهاً ومات شريفاً ..أو شخص عاش وضيعاً ومات حقيراً .. وفي الحالتين يدلقونك كجردل في قبر ضيق مظلم بارد .. لتظل وحيداً فيه إلى يوم الحساب ..
وتُنسى .. إلى الأبد ..

ملحوظة :
الجردل هو ذلك الوعاء الذي يتعرض لدورات كثيرة جداً من الملء والتفريغ رغماًعنه ..حتى يصبح غير صالح للاستهلاك .. ويتم دلقه في أقرب مقلب زبالة ..
تم بحمد الله الجزء الثاني ..
 وبالطبع أدرك نفس العباقرة أن المقال قد تم أيضاً ..
وأنه لا يوجد أجزاء أخرى ..!!