• بقلم حسام صادق
  • بقلم محمود حجازي
  • بقلم أحمد عبود
  • بقلم أحمد نبيل

السبت، 8 سبتمبر 2012

حسين وعطوة .. هل هناك فارق ؟


حسين وعطوة...هل هناك فارق؟!!

حسين فتى فى السادسة عشرة من عمره..هادئ الطباع مسالم..حسين يعشق الموسيقى ويخصص معظم أوقات فراغه  للعزف على قيثارته..و ربما عشقه لها أثر على طباعه فصار حساساً رقيق الحاشية يميل للسلام ويكره العنف..هواية حسين لم ترق لوالده ولم تتحمس لها والدته..فامتعضوا واعترضوا..وأخبروه بأن الموسيقى (مش بتأكل عيش) حسين لم يفهم هذه العبارة... على الأقل حينها...ربما لذلك حسين استمر فى العزف بل إنه بدأ يؤلف ألحاناً بنفسه.....حسين عزفه تطور ودخل مسابقات كثيرة وفاز بجوائز عديدة.... معظم هذه المسابقات كان يشترك فيها حسين بدون علم والديه..إذ كان والده يمنعه من أى شيء من الممكن أن (يعطله عن المذاكرة).....وكانت والدته دائماً تأمره بأن يركز فى مستقبله ويترك هذا الكلام الفارغ ... مرت سنوات والوضع على ماهو عليه... وحان وقت دخول مرحلة الثانوية العامة..حسين يفاتح والديه ويخبرهما فى رغبته بأن تكون الموسيقى هى مسار حياته ومصدر دخله..والد حسين تغيرت معالم وجهه وغضب غضباً شديدا و ذكر كلاماً كثيراً عن أقاربه الذين صاروا أطباء ومهندسين ..حسين لم يستوعب تماماً علاقة أقاربه بمستقبله..والد حسين أصر على رفضه....وسخر منه ومن عزفه كثيرا... وختم كلامه (ماذا أقول لأهلى أو حتى أهل عروسك عندما تتزوج ..أقول لهم أن ابنى عازف موسيقى؟؟...هى دى شغلانة محترمة ولا حتى تأكل عيش؟..بل إنه هدده بتحطيم قيثارته إذا لم يعدل عن هذه الأفكار التافهة ..
...والدة حسين أخذت تقنعه بأن يستمع إلى نصيحة والده وأنه فى المستقبل سيعلم قيمة نصائحه....حسين لم يفهم حينها لماذا اعترض والده ولماذا أيدته والدته فى ذلك...حسين رضخ لكلام والديه فهو لم يشأ أن يعصى أوامرهم..هو لم يتعود على هذا..حسين أخذ يفكر حزيناً فى مسار آخر لمستقبله بعيداً عن الموسيقى وإن قرر ألا يتركها على الأقل كهواية ليس إلا..حسين دخل قسم علمى علوم وتفوق فيه و دخل كلية طب الأسنان..حسين لا يحب الطب ولم يتمنى يوما أن يكون طبيباً..حسين لم يكن سعيدا فى البداية لكن والديه كانا سعيدين كأسعد ما يكون...حسين تعثر فى البداية لكنه سرعان ما اعتاد على أجواء الكلية وبدأ يندمج فيها..حسين بات مشغولا جداً فى كليته..فلم يعد يعزف إلا قليلًا ولم يعد يؤلف إلا نادرا....مستواه فى العزف انخفض كثيرا مع الوقت....لكنه لم يترك العزف على أية حال...حسين تخرج من الكلية بتقدير جيد جداً وأخذ يبحث عن عمل ولمدة عام لم يتمكن فيه من العثور على أى وظيفة...والد حسين أخبره بأنه سيبحث له عن واسطة ليجد عمل .. حسين اعترض فى بادئ الأمر..فاتهمه والده بالسذاجة والهطل...حسين عمل فى إحدى المستشفيات..فى البداية كان يعمل بما يمليه عليه ضميره وما تحثه عليه مبادئه...حسين فوجئ أن الجميع يعملون على حسب أهوائهم وعلى حسب مصالحهم ... حسين رفض هذه الطريقة وأراد أن يترك الوظيفة لكن والده اعترض وأخبره بأنه لو أراد ان يأكل عيش فليس أمامه سوى هذا الطريق...مع الوقت أصبح حسين يمارس هذه الطرق.. فى البداية.. على استحياء ..لكن مع الوقت صار خداع المرضى واستغلالهم  هو منهج عمله وطريقة حياته..حسين توقف تماما عن العزف إذ لم يعد يجد وقتا لذلك...حسين أصبح مترفا ولديه رصيد كبير فى البنوك ... حسين بدأ يقدر نصيحة والده وأدرك ماذا كان يعنى والده بعبارة أن (ياكل عيش)...حسين فتح عيادة خارجية وضاعف من دخله إذ كان يمارس نفس أساليبه الاستغلالية فى عيادته الخاصة..حسين بدأت ملامحه تتغير..حسين لم يعد حسين بل صار شخصاً آخر..حسين صار كلامه كله فى العمل والنقود وخلافه...حسين لم يعد مسالما ولا هادئ الطباع بل صار شخصا عصبيًا منفعلاً مغروراً...حسين صار يشبه والده إلى حد كبير...لكن أحداً لم يلحظ هذا التشابه الرهيب..أحداً لم يلحظ أو أن أحداً لم يشأ أن يلحظ...حسين تعرف على طبيبة من أسرة كبيرة وقرر أن يتزوجها ... حسين ابتاع شقة جديدة و أخذ يعد نفسه للانتقال إليها .. حسين نقل كل أشيائه تقريبًا لم يتبق سور قيثارته وبعض كتبه القديمة...حسين أعطى القيثارة والكتب لبائع الروبابيكيا بدون مقابل تقريباً...وذهب لينتقل إلى مسكنه الجديد لأول مرة بدون قيثارته وبدون كتبه..حسين تزوج بعد مباركة والديه للزيجة.. بعدها بسنوات قليلة والد حسين توفى ...لكنه فى الحقيقة ظل حياً وبقوة داخل حسين ..حيث أنجبت زوجته طفلاً أسموه علاء ......
***
علاء فتى فى السادسة عشرة من عمره هادئ الملامح والطباع ..علاء يعشق القراءة ويخصص معظم أوقات فراغه لها....قراءة علاء علمته الكثير عن المثل العليا والأخلاق..علاء أصبح يؤمن أن هناك عدالة وأمانة وصدق وحسن نوايا...مع الوقت بدأ والد علاء ينزعج ويمتعض من هذه الهواية وكذلك والدته وأخبروه أن عليه أن يتعلم شيئاً (ياكل منه عيش) ... حسين لم يفهم معنى هذه العبارة....لم يستوعبها...على الأقل حينها...علاء صار يكتب ويؤلف...لكن والد علاء ............................................................................................................................................إلخ.
***
عطوة قط بلدى صغير خرج للدنيا لتوه...عطوة جميل الملامح صغير الوجه ماتلبث أن تراه حتى تحبه وتتمنى لو تقتنيه وتداعبه.....والد عطوة كان يخرج كل يوم ويأتيه بالطعام ..كان عطوة يأكل والسلام لم يكن يسأل والده كيف جاء بهذا الطعام ...عطوة كان يقضى أيامه مابين اللعب مع صبيان الحارة ومع القطط الأخرى وما بين النوم ..عطوة راقت له هذه الحياة وظن أنها ستستمر للأبد..لكن تأتى الرياح بما لا يشتهى عطوة..عطوة كبر ونمت مخالبه وأخذ يتسائل عن أهمية هذه الأسلحه..هو لم يستخدمها قط .. فى أحد الأيام .والد عطوة أخبره أنه يريد أن يحدثه فى أمر مهم..وقال له أنه عليه أن يتعلم كيف له أن ياكل عيش بنفسه لأنه لن يظل موجودا للأبد..عطوة  لم يستوعب الموضوع فى بداية الأمر..والد عطوة اصطحبه صباح أحد الأيام وعلمه كيف له أن يحصل على طعامه..عطوة فوجئ أن والده يسرق الطعام من المارة ويبحث فى القمامة ويتعارك مع قطط الحى من أجل الحصول على الطعام..عطوة عاد إلى البيت حزينا مكسوراً وأخذ يفكر كيف له أن يعيش دون اللجوء إلى هذه الاساليب..أخبر والده وسأله إن كانت هناك طريقة أخرى للعيش .. لكن والد عطوة أخبره بأن هذه الطريقة كتبت عليهم وأنه لا يوجد لها بديل على الإطلاق..لكنه أكمل حديثه أن هناك كائنات أخرى تسمى البشر وهذه الكائنات لديها القدرة الكاملة على الاختيار..البشر بإمكانهم أن يبدعوا ويخترعوا ويعيشوا فى محبة وسلام وفى نفس الوقت يكسبوا قوت يومهم ..عطوة ظل مكتئباً لأيام لكنه تغلب على هذا الإحساس وخرج مع والده بحثاً عن الطعام واستخدم عطوة مخالبه لأول مرة وتعارك مع قطط الحى كارها مضطرا وأخذ يبحث فى صناديق القمامة القذرة بحثاً عن أى شيء يؤكل..عطوة معالم وجهه تغيرت وامتلأت بالخدوش والجروح..عطوة لم يعد قطاً مسالماً رقيقاً..بل صار وحشاً متشرداً شكلاً وسلوكاً..وصارت تهابه قطط الحى بأسرها..والد عطوة كان فخورًا جدا بابنه..لكن عطوة كان إذا أنهى يومه وذهب لينام ويستريح كان ضميره يؤنبه..كان يتمنى لو كان أمامه طريق آخر غير هذا يسلكه .. لكنه كان يعزى نفسه بأن هذا الأمر فرض عليهم فرضاً وأنه ليس بإمكانه أن يحدد مصيره بنفسه وكان يحسد البشر لأن الله حباهم تلك الميزة  وكم تمنى لو كان من البشر..والد عطوة مات..لكنه ظل حيا وبقوة داخل عطوة..إذ تزوج وأنجبت زوجته قطاً أسموه خداش...
***
          خداش قط خرج للدنيا لتوه..خداش صغير الوجه جميل الملامح..ما تلبث تراه حتى تحبه وتتمنى أن تقتنيه و تداعبه .... والد خداش كان يخرج كل يوم ليحضر له الطعام ..كان خداش يأكل والسلام..لايعلم كيف حصل والده على هذا الطعام .. وكان خداش يقضى يومه مابين اللعب مع قطط الحى ومع صبيان الحارة وبين النوم ............
 **********

          إننا كل يوم وبدون أن نشعر نقتل الإنسان الموجود بداخل كل شخص ...إننا نستغنى بكل سهولة عن الشيء الوحيد الذى يميزنا عن الحيوان..إننا نستهين بالإرادة الحرة والقدرة على الاختيار وتحديد المصير....نقتل الإبداع والخيال...نسحل المبادئ والاخلاق...نتحول ببطء إلى حيوانات...حيوانات تعيش من أجل أن تأكل لا تأكل من أجل أن تعيش...بداخل كل منا حيوان مادى..دائما جائع لكنه لا يشبع ربما لأنه  لا يشعر...حيوان إما أن تحجمه وتوقفه عند حده وإما أن ينمو ويتوحش وحينها ستكون أنت أولى ولائمه..ستكون إنسانيتك ومبادئك أشهى ولائمه...عندها وعندها فقط سيكون هذا الحيوان الذى  بداخلك ...سيكون ببساطة هو أنت....اللهم قد بلغت..اللهم فاشهد..
أحمد نبيل